التوازن المعجز أثناء نشأة الكون
إذن كم هي عظيمة حساسية ذلك التوازن ؟
وكم هو دقيق عامل الارتخاء (تخفيف السرعة ) والموجود بين هاتين القوتين ؟
أجرى عالم الفيزياء الرياضي (باول ديفز ) الأستاذ في جامعة (إديليارد) في استراليا حسابات مطولة للشروط والظروف التي ربما وجدت لحظة الانفجار الكبير، وتوصل إلى نتيجة على الأقل يمكن وصفها بأنها مذهلة، فوفق حسابات (ديفز) إذا اختلفت معدل التمدد بأكثر من (10-18من الثانية ) (واحد من كوينتليون من الثانية ) فيجب ألا يكون هناك كون.
ووصف (ديفز ) استنتاجه كما يلي:
أوصلت القياسات الدقيقة معدل التمدد لقيمة حدية قريبة جداً للقيمة التي عندها سيهرب الكون من جاذبيته الخاصة ويبقى يتمدد إلى الأبد. أما لو أبطأ قليلاً وكان معدل تمدده أقل من القيمة الحدية له فسوف ينهار الكون على نفسه، ولو كان أكثر سرعة بقليل فإن مادة الكون ستكون قد اختفت كليلاً ومنذ زمن بعيد.
من المثير أن نسأل بدقة كيف هي رقة ورهافة معدل التمدد هذا ؟ وكيف أمكن ضبطه وتنظيمه ليقع على خط التقسيم الضيق الفاصل بين الحدثين الأخيرين ؟ فتقول أنه إذا أسسنا نموذجاً زمنياً للانفجار وبشكل صارم فبعد ثانية واحدة يكون معدل التمدد قد تغير عن قيمته الحدية بما يزيد عن 10 –18و هذا كاف لأن يلقي بالتوازن الدقيق ( المرهف ) بعيداً، وهنا تكتشف أن قوة الانفجار للكون تلاءمت وتوافقت بدقة لا معقولة مع قوة جاذبيته الثقالية، والانفجار الكبير هو بالتأكيد ليس انفجاراً عبثياً إنما كان انفجاراً منظماً ومقدراً بعناية فائقة وإتقان[3].
وقد نشرت مجلة العلم (Science)المشهورة مقالاً عن النظام المدهش الذي تكون مع بداية وجود الكون جاء فيه: إذا كانت كثافة الكون أكثر بجزء صغير جداً مما هي عليه ففي تلك الحالة ووفق نظرية (اينشتاين ) في النسبية فالكون سوف لن يتمدد بسبب قوة التجاذب الهائلة للجسيمات الذرية وبدلاً من ذلك فإنه يتقلص وأخيراً ينتهي ويزول في نقطة.
أما إذا كانت الكثافة الابتدائية أقل بجزء ضئيل صغير فالكون سوف يتمدد فجأة، لكن في هذه الحالة لا تتجاذب الجسيمات الذرية مع بعضها وبالتالي لا تتشكل ِإطلاقاً أية نجوم أو مجرات، وبالنتيجة لن يظهر الإنسان في هذا الكون أبداً، ووفق الحسابات في الفرق بين الكثافة الحقيقية الابتدائية للكون وكثافته الحدية والتي لا يحتمل حدوثها هي أقل من واحد بالمائة من (الكوادر ليون ) فهذا يشبه وضع قلم رصاص في وضعية يقف فيها على طرفه الحاد لمدة تزيد عن بليون سنة، والأكثر من ذلك وطالما أن الكون يتمدد فإن ذلك التوازن سوف يصبح أكثر دقة [4]
العالم (ستيفن هاوكنغ ) الذي حاول بشدة أن يحيد في تفسير الخالق للكون واعتبر أن ذلك الخلق ليس سوى سلسلة من المصادفات في كتابه "مختصر تاريخ الزمن" A Brief History of Time اعترف بالتوازن العجيب في معدل التمدد وقال: " إذا كان معدل التمدد بعد ثانية واحدة من الانفجار الكبير أصغر بمقدار حتى جزء واحد من مائة ألف مليون بليون، فالكون سينهار ثانية على نفسه قبل أن يصل إلى حجمه الحالي.[5]والسؤال الآن هو: على ماذا يدل مثل هذا التوازن الدقيق المميز كما تبين لنا من قبل ؟.. والجواب المقنع الوحيد على هذا السؤال هو أن تلك الدقة تبرهن على وجود تصميم مدرك، وأنه لا يمكن أن يكون ذلك مصادفة، ورغم أن الدكتور " ديفز " مادي ومتحمس لماديته إلا أنه يعترف بهذه الحقيقة قائلاً: " من الصعب أن نقاوم تركيب الكون الحالي، إذا يبدو أنه حساس جداً لتبديلات الأعداد، فهي تميل لأن تكون مدروسة بحذر شديد، وعلى ما يبدو فإن الطبيعة اختارت لثوابتها الأساسية قيماً عددية بتوافق إعجازي معها، بحيث تبقى الدليل الأكثر قوة في جوهر التصميم الكوني [6]