تاريخ التسجيل : 01/01/1970
| موضوع: دورة الماء -مقال(1) الثلاثاء أبريل 08, 2008 2:47 pm | |
|
دورة الماء بين العلم والإيمان بقلم عبد الدائم الكحيل www.kaheel7.com بسم الله الرحمن الرحيم ملخص البحث هذا البحث هو عرض لأهم الحقائق العلمية المتعلقة بدورة الماء على كوكب الأرض، هذه الدورة التي قدرها الله تعالى تحفظ استمرار الحياة على الأرض. سوف نستعرض هذه الدورة التي تعتبر آية من آيات الله ومعجزة من معجزاته الكونية، ونتأمل كيف أشار القرآن الكريم إلى هذه الدورة وأن إنزال الماء يتم بنظام مقدَّر من الله تبارك وتعالى. وإذا علمنا أن الماء يعتبر العنصر الأهم على الأرض، وأن جسم الإنسان يتكون في معظمه من الماء، ندرك أهمية هذا البحث الذي حاولنا أن يكون ميسَّراً وسهلاً ومدعوماً بالصور والمراجع العلمية المعتمدة لدى أهم الجمعيات العلمية العالمية. مقدمة الحمد لله الذي هدانا لهذا العلم النافع، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وسلَّم، وبعد: فقد بدأت رغبتي بالتعمق في علم السوائل والمياه منذ سنوات الدراسة الجامعية الأولى، فكنتُ أقف طويلاً أفكر في التعقيد الكبير الذي يرافق هذه الدراسة. فالقوانين الرياضية والفيزيائية التي تحكم حركة السوائل استغرق العلماء زمناً طويلاً لاكتشافها، ولا يزال الغموض يخيِّم على الكثير من التساؤلات المتعلقة بها. درستُ الكثير من النظريات العلمية والحقائق المائية في مراجع الغرب الذي تفوّق علينا بشكل كبير في هذا المجال. ولم أكن أتصور أنني سأجد هذه الحقائق جليَّة واضحة في كتاب أنزل قبل مئات السنين! كُنتُ أقرأ لعلماء بدؤوا رحلة أبحاثهم في بداية القرن العشرين عندما توفرت لديهم وسائل البحث العلمي والتحليل المخبري وكانوا يمضون عشرات السنين في مختبراتهم للخروج بتفسير أو نتيجة أو بحث علمي، أو للعثور على حقيقة مائية واحدة. إن اكتشاف القوانين التي تحكم حركة السوائل شكَّل قفزة كبيرة في تطور فهمنا للماء من حولنا. فالذي يتأمل هذه القوانين لا يملك إلا أن يقول سبحان المبدع العظيم القائل: ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ﴾ [النمل: 88]. إنها قوانين محكمة أودعها الله في الماء لتكون دليلاً على دقَّة صنعه ولتكون آية تشهد على قدرته عزَّ وجلَّ. وتتجلَّى عَظَمَة هذه القوانين عندما نعلم أن الله تعالى قد حدثنا عنها في كتابه بمنتهى الكمال والوضوح! في هذا البحث العلمي نعيش مع بعض الآيات القرآنية والتي تناولت علم المياه. وسوف نرى في كتاب الله تعالى معجزات مبهرة في الحديث عن الماء ودورته على سطح الأرض. وهذه أمور لم يكن أحد يتصورها قبل أربعة عشر قرناً، بما يشهد على صدق كتاب الله تبارك وتعالى، وصدق رسالة نبيِّه عليه الصلاة والسلام. التعريف العلمي للماء الماء هو سائل شفاف لا لون له ولا طعم ولا رائحة، وهو ضروري لجميع أشكال الحياة، وهو تلك المادة العجيبة التي تغطي ثلثي مساحة سطح الكرة الأرضية، وتتركب جزيئة الماء من ذرتي هيدروجين وذرة أكسجين، يرتبط بعضها مع بعض بروابط كيميائية قوية. ويرمز له بالرمز H2O، فالرمز H2 يعني ذرتي هيدروجين، والحرف O يعني ذرة أكسجين. والجزيئات هذه ترتبط أيضاً لتكوّن الماء، فكل خمسة آلاف مليون جزيئة ماء ترتبط لتشكل قطرة ماء واحدة! خصائص الماء والماء هو المادة الوحيدة في الطبيعة التي توجد بحالاتها الثلاثة: الصلبة والسائلة والغازية. وتبلغ كثافة الماء 1000 كيلو غرام على المتر المكعب، أي أننا إذا أخذنا خزاناً من الماء سعته متر مكعب (أي طول كل ضلع من أضلاعه متر واحد) فإنه سيزن 1000 كيلو غرام، وذلك عند درجة الحرارة 4 درجات مئوية. أما عندما يتحول هذا الماء إلى جليد فإنه يخفّ وزنه وتنخفض كثافته لتصبح 917 كيلو غرام على المتر المكعب، ويتجمد الماء عند الدرجة صفر مئوية، أما درجة غليانه فهي 100 درجة مئوية. ويعتبر الماء مادة مذيبة ممتازة لكثير من المواد الصلبة، ولذلك فقد وصفه الله تعالى في كتابه المجيد بالماء الطَّهور، يقول تبارك وتعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا ﴾ [الفرقان: 48]. والطَّهور هو ما يتطهر به، وكلمة (طَهَرَ) في اللغة تعني أبعد، أي أن الماء يبعد ويزيل المواد غير المرغوب فيها، وبالتالي وصفه الله تعالى بالطَّهور. ويغطي الماء بحدود 71 % من مساحة الكرة الأرضية أي ما يقارب 361 مليون كيلومتر مربع. 97 % من الماء على الأرض هو ماء مالح، و 3 % هو ماء عذب، وأكثر من ثلثي هذا الماء العذب يتوضع في القطبين الشمالي والجنوبي على شكل جليد وجبال جليدية. أي أن الماء العذب الموجود في البحيرات والأنهار والينابيع والآبار (المياه الجوفية) لا يشكل إلا أقل من 1 % من الماء على هذا الكوكب . وللماء قدرة عالية على تخزين الحرارة، ولذلك فهو يلعب دوراً مهماً في تغيرات المناخ والتوازن البيئي. يأخذ الماء أشكالاً متعددة في الطبيعة، فهو يظهر على شكل مياه في الحالة السائلة كما في البحار والأنهار، ويمكن أن يظهر بشكل صلب كما في الجبال الجليدية والمحيطات المتجمدة، ويمكن أن يظهر على شكل غاز، كما في بخار الماء الموجود في الجوّ، أو الغيوم الموجودة في طبقات الجو. كما يمكن أن يظهر الماء على شكل رطوبة أو قطيرات صغيرة من الماء مختزنة في تراب الأرض. ميزة رائعة للماء هنالك ميزة رائعة أودعها الله تعالى في الماء، فالماء في الحالة الصلبة أخف من الماء في الحالة السائلة، وهذا بعكس بقية السوائل في الطبيعة.ولذلك فإن تبريد الماء يؤدي إلى تقلص حجمه حتى تصبح درجة حرارة الماء 4 درجات مئوية، ولكنه بعد ذلك ينعكس هذا الوضع إلى تمدد فيزداد حجم الماء تحت هذه الدرجة حتى الدرجة صفر مئوية والتي عندها يتحول الماء إلى جليد صلب ذي كثافة أقل.وتنعكس هذه الظاهرة على الحياة في البحار العميقة والمتجمدة، حيث نلاحظ أن الطبقة العليا من البحر قد تجمدت وعندما نغوص في هذا البحر نجد أن الأسماك والحيوانات البحرية والكائنات الحية تعيش حياة طبيعية، فسبحان الله الذي لم ينسَ هذه الحيوانات في أعماق البحار وظلماتها وبرودة مائها! يقول تبارك وتعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [هود: 6]. ويعرِّف العلماء هذه المادة كمذيب عالمي، فالماء هو المادة الوحيدة في الطبيعة التي تتمتع بقدرة عالية على إذابة معظم المواد في الطبيعة. الماء والحياة يربط العلماء الحياة بالماء، ولذلك حيث توجد الحياة يوجد الماء والعكس صحيح. حتى إن العلماء بعدما عثروا على آثار للماء على كوكب المريخ بدأوا يفكرون جدياً بوجود حياة على سطح الكوكب الأحمر. لأن لديهم اعتقاد جازم بأن وجود الماء لابد أن يرتبط بوجود الحياة. إن الخلايا الإنسانية والحيوانية والنباتية تحوي كميات من الماء دائماً، وعند نقصان هذه الكمية إلى حدود حرجة فهذا يعني الجفاف والموت. يقول تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنبياء: 30 ]. يشكل الماء 90 % من وزن بعض الكائنات الحية، أما في الإنسان فيشكل الماء أكثر من 60 % من وزن جسمه، إن الدماغ البشري يحوي 70 % من وزنه ماءً، الرئتان تحويان نسبة 90 بالمئة ماء، ونسبة الماء في الدم 83 %، ولذلك فإن الإنسان لا يستطيع العيش بصحة جيدة من دون ماء أكثر من يوم واحد . ولو تأملنا اليوم تصريحات العلماء نجدهم يؤكدون أن الحياة بالشكل الذي نعرفه لا يمكن أن تكون إلا بوجود الماء، حتى عندما نتأمل أكبر مواقع الفضاء في العالم وهو موقع وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» نجدهم يعرضون العنوان التالي: «Water is Life» وهذه العبارة تعني: «الماء هو الحياة» . ولذلك قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ ﴾ [النور: 45]. وهذا يدل على أن القرآن قد سبق العلماء المعاصرين لتقرير حقيقة علمية مفادها أن كل ما نراه من أحياء أصله من الماء. الماء في الفضاء الخارجي هنالك إثباتات علمية قوية لوجود الماء في النيازك وبين النجوم وفي كوكب المريخ وعلى أقمار كوكب المشتري . وتشير كل الدراسات إلى وجود الماء في الكون، حتى إن العلماء اليوم يعتبرون أن وجود الحياة مرتبط بالماء، وهذا ما دفعهم للذهاب إلى المريخ بعدما حصلوا على دلائل تؤكد وجود الماء على سطحه . وإذا ما تأملنا كتاب الله تبارك وتعالى فإننا نجد إشارة إلى وجود حياة خارج الأرض! يقول تعالى: ﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ ﴾ [الشورى: 29]. وتأملوا معي قوله تعالى: ﴿ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا ﴾ أي في السموات والأرض، وتشير الآية أيضاً إلى إمكانية اجتماع مخلوقات من الفضاء الخارجي مع سكان الأرض، وهذا تابع لمشيئة الله تعالى. أصل الماء يخبرنا العلماء أنه قبل أكثر من 13 بليون سنة بدأ خلق الكون من خلال انفجار كبير، لقد كانت درجة الحرارة بحدود 10 بليون درجة مئوية، ثم بدأ الكون بالتوسع وبدأت العناصر بالتشكل، وكان الهيدروجين هو أول العناصر تشكلاً باعتباره الأخف بين جميع العناصر في الكون. فذرَّة الهيدروجين هي عبارة عن بروتون يدور حوله إلكترون وحيد. ثم تشكل الهيليوم الذي تتألف ذرته من بروتونين وإلكترونين. وتشكلت أيضاً العناصر المشعة التي تحوي ذراتها نيوترونات عديمة الشحنة. بالنسبة لذرات الأكسجين فقد تشكلت في فترة لاحقة لأنها أثقل من الهيدروجين. فذرة الأكسجين تحوي ثمانية إلكترونات في مداراتها الإلكترونية. وقد وجد العلماء أن الماء على الأرض قد تشكل منذ بدايات تشكل الأرض، مع أن بعض الدراسات قد تشير إلى أن الأرض قد قُذفت بالمذنبات التي تحوي كميات كبيرة من الجليد . الماء مادة مطهرة يتميز الماء بسهولة التفكك إلى أيونات موجبة وهي أيون الهيدروجين «H+» وأيون سالبة هي الهيدروكسيد «-OH»، وبسبب صغر حجم أيون الهيدروجين فإنه يستطيع التغلغل إلى كثير من المواد والقيام بالكثير من العمليات الكيميائية المهمة. وهذا ما يجعل الماء من أفضل المذيبات في الطبيعة. والعجيب أن للماء قدرة كبيرة على إذابة أي مادة حتى الذهب !! لماذا يتماسك الماء؟ وبسبب التركيب المميز لجزيء الماء فإن الماء يبدي تماسكاً جيداً، فلو تأملنا جزيء الماء نجد أن ذرتي الهيدروجين تتوضعان على أحد أطراف ذرة الأكسجين، وبالتالي يبقى الطرف الآخر أكثر سلبية مما يجذب إليه جزيئاً آخر وهكذا تكون قوى التماسك بين جزيئات الماء كبيرة. ولذلك يتميز الماء بقوة الشد السطحي الكبيرة، وهذا ما يجعل قطرات الماء متماسكة وتستطيع التسلق عبر الأنابيب الضيقة ولمسافات كبيرة. ولولا هذه الميزة لماتت جميع الأشجار والنباتات وتوقفت الحياة على هذا الكوكب. فالنباتات والأشجار تستمد ماءها من التربة عبر امتصاص الماء ونقله في الأوعية النباتية. وينتقل الماء من التراب إلى النبات ويسير عبر أوعية النبات ويتحرك للأعلى بعكس الجاذبية الأرضية.ولذلك قال تعالى: ﴿ وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ ﴾ [ق: 9]. فهذه نعمة من الله ينبغي علينا أن نتذكرها كلما أكلنا طعاماً أو شربنا شراباً، لأنه لولا الميزات الرائعة التي أودعها الله في هذه المادة العجيبة لما كنا موجودين اليوم على ظهر هذه الأرض! ألوان الماء إن الماء يمتص الأشعة تحت الحمراء بشدة، وبما أن الأشعة تحت الحمراء قريبة من الأشعة الحمراء في الطيف الضوئي، فإن الماء يمتص قسماً من الأشعة الحمراء، وهذا ما يجعل الماء يبدو مائلاً إلى اللون الأزرق عندما ننظر إليه في البحيرات والمحيطات. وعندما ننظر إلى البحر في يوم غائم فإننا نلاحظ أن لون الماء يميل للأزرق، وهذا يعني أن اللون الأزرق ليس ناتجاً عن انعكاس لون السماء.إن وجود الصخور الكلسية في مجرى النهر مثلاً تحول لون الماء إلى الفيروزي، بينما وجود صخور حديدية تجعل لون الماء يميل للأحمر والبني، أما الصخور التي تحوي مركبات نحاسية فإنها تلون الماء بالأزرق، وأخيراً فإن وجود الطحالب في الماء يميزه بلون أخضر. هنالك مواد تذوب في الماء بسهولة مثل الأملاح وتسمى المواد المحبة للماء hydrophilic، وهنالك مواد لا تذوب جيداً في الماء مثل الشحوم والزيوت، وتسمى المواد غير المحبة للماء hydrophobic . الحالات الثلاث لماء كما قلنا من قبل، تبلغ كثافة الماء في الحالة السائلة 1000 كيلو غرام لكل متر مكعب، وعندما يصبح جليداً تصبح كثافته 917 كيلو غرام لكل متر مكعب. ويتميز الماء بحرارة نوعية عالية، أي أن الماء يحتاج لكمية حرارة كبيرة لرفع درجة حرارته، فالماء إذن يسخُن ببطء ويبرد ببطء. فكل غرام من الماء يحتاج إلى وحدة حرارية «كالوري » لرفع درجة حرارته درجة مئوية واحدة. وهذا يعني أن كمية الحرارة اللازمة لرفع درجة حرارة غرام واحد من الماء من الدرجة صفر إلى الدرجة مئة مئوية، هي مئة وحدة حرارية. هنالك ميزة أخرى مهمة وهي أن الماء يحتاج لحرارة كبيرة حتى يتحول من حالة لأخرى. فإذا أردنا أن نحول غراماً من الماء إلى بخار ماء، أي من الحالة السائلة إلى الحالة الغازية فإننا نحتاج إلى 600 كالوري، وذلك عند الدرجة 100 مئوية. أما إذا أردنا أن نحول غراماً من الماء إلى جليد، أي من الحالة السائلة إلى الحالة الصلبة فإنا نحتاج إلى 80 كالوري، وذلك الدرجة صفر .كذلك فإن درجة غليان الماء ودرجة تجمده تتأثران بالمحيط. فإذا ما أردنا أن نغلي الماء على قمة جبال الهملايا فإن الماء سيغلي عند الدرجة 70 مئوية فقط. وإذا نزلنا إلى أعماق المحيط لن يغلي قبل الدرجة 650 مئوية . النظام المائي المتوازن لقد اختار الله تعالى برحمته نظاماً متوازناً لكل شيء على هذه الأرض لضمان استمرار الحياة على ظهرها. وقال في ذلك: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾ [الحجر: 21]. ففي هذه الآية أسرار إذا ما تأمَّلناها بشيء من التدبر. فقد أنزل الله كل شيء بقدر وقانون ونظام، وقال: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [القمر: 49]. وقال أيضاً: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾ [الفرقان: 2]. وفي اللغة (القَدَرُ) هو القضاء والحكم ومبلغ الشيء، و(قَدَرَ) الرزقَ: قَسَمَه . وكأن الله تبارك وتعالى يريد أن يعطينا إشارة لطيفة إلى أنه هو من خلق الماء ووزعه بنظام محكم، وقال: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا ﴾ [الفرقان: 48-50]. ففي قوله عز من قائل: ﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ ﴾ إشارة رائعة إلى النظام المتوازن للماء على سطح الأرض، فكل قطرة ماء لها طريق محددة تسلكها، فهذه القطرة قد تكون في البحر ثم تتبخر ثم تسوقها الرياح لتتكثف وتتساقط على أرض ميتة فيحيي بها الله هذه الأرض، أو تختزن على شكل مياه جوفية أو تسقط كقطعة ثلج فوق القطب المتجمد، لقد قدَّر الله تعالى كل هذه الأشياء بنظام محكم. ولذلك قال تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ ﴾ [المؤمنون: 18]. يقول ابن كثير: يذكر الله تعالى نعمه على عبيده التي لا تعد ولا تُحصى في إنزاله القَطر من السماء بقدَر، أي بحسب الحاجة، لا كثيراً فيُفسد الأرض والعمران، ولا قليلاً فلا يكفي الزروع والثمار، بل بقدر الحاجة إليه من السقي والشرب والانتفاع به . فمثلاً لو تأملنا إنزال الماء من الغيوم نجده بقَدَر، أي بكميات محسوبة لا تختل أبداً، ولو تأملنا كميات المياه المتبخرة كل عام نجدها ثابتة أيضاً ومساوية للكميات الهاطلة. ولو تأملنا نسبة الملوحة في ماء البحر نجدها ثابتة أيضاً ولا تتغير إلا بحدود ضيقة جداً ومحسوبة، بل هنالك نظام دقيق تتغير فيه ملوحة البحار كل ألف عام. وهكذا يتجلَّى النظام في كل شيء نراه من حولنا . ولذلك نجد العلماء اليوم يدرسون قوانين حركة السوائل، وقوانين حركة الهواء والقوانين التي تحكم الكون وكل ما فيه، ويمكن القول بأنه لكل شيء في هذا الكون نظام وميزان، ولو اختل هذا الميزان لاختل النظام الكوني وفسدت السموات والأرض . ومن هنا ندرك الحكمة من قوله تعالى مخاطباً المشككين بالقرآن والذين يتبعون شهواتهم وأهواءهم: ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ﴾ [المؤمنون: 71]. لو تأملنا كل قطرة ماء من حولنا نجد النظام يتجلى في وجودها بما يؤكد عظمة الخالق ودقة صنعه وإتقانه، يقول تعالى: ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ﴾ [النمل: 88]. تخزين الماء يصرح العلماء اليوم بأن المحيطات هي عبارة عن خزانات ضخمة للماء! وتبلغ كمية المياه المختزنة في المحيطات 1338 مليون كيلو متر مكعب. هنالك حركة دائمة لمياه المحيطات تؤدي إلى تحريك كميات ضخمة من المياه المالحة حول العالم. وكمثال على ذلك تيار الماء الدافئ في شمال المحيط الأطلسي الذي يقوم بدفع المياه في أعماق المحيط من خليج المكسيك باتجاه بريطانيا، وتبلغ سرعة هذا التيار 4 كيلو متر في الساعة وسطياً . الغلاف الجوي خزان للمياه يحتوي الغلاف الجوي على نسبة من بخار الماء والغيوم بشكل دائم، وتبلغ كميات المياه الموجودة في الغلاف الجوي بحدود 12900 كيلو متر مكعب. | |
|