يمكن ببساطة أن نعتبر "مها" امرأة سعيدة في حياتها الزوجية، رغم أن زواجها من "خالد" كان بمثابة التقاء النار والجليد كما يعلق على ذلك من يعرفهما، هو بهدوئه ورزانته وثقله المثير للغيظ أحيانا، وهي بصخبها ونشاطها وحبها العارم للحياة.
تعترف مها أنهما كثيراً ما يتصادمان وتتباين آراؤهما لطباعهما المتفاوتة، لكنهما سعيدان معاً، وقد اعتادت هذا الحال (النار- جليدي) بل وأحبته، لدرجة أنها لا يمكن أن تتخيل حياتهما مستقرة تماماً إذ ستبدو حينذاك رتيبة! ورغم ذلك فهي تحرص كل الحرص على عدم إفشاء أي شيء من ذلك خارج إطار الزوجية، ولذا فصورة زوجها غاية في الاحترام والتقدير لدى أهلها، وهذا ما لا يجده أزواج أخواتها الأخريات لدى أهل الزوجة لكثرة ما يفضين به إليهم من المشاكل والانتقادات والحديث بتشف عن السلبيات، وتذكر الأخت مها أنها ذاتها تشعر بالكره العميق لزوج إحدى أخواتها بسبب الصورة السيئة التي تعطيها لهم عنه، ثم إذا حدث وعبرت هذه الأخت عن شوقها له إذا سافر، أو امتنانها على هدية أو عطاء؛ أحست مها بالاشمئزاز الشديد من ذلك قسراً عنها، فكيف تتحدث أختها بهذا الوله عنه وهو الذي فعل يوماً كيت وكيت!.
كما ذكرت الأخت مها موقفاً طريفاً بشأن ذلك، إذ حدث يوماً احتكاك بينها وبين زوجة أخ زوجها، وهذه المرأة من نفس عائلة أم مها، وتحت إلحاح الأم أفلت لسان مها وباحت بكلمة حادة رمتها بها تلك المرأة، فأخذت الأم العجوز بحماس شديد تشتم تلك المرأة وطباع أسرتها وأخلاقهم وسجاياهم فزادت الطين بلة، رغم أن الأم تنتمي إليهم في الحقيقة!.
على ضوء هذه الاعترافات الطريفة من مها، أحببنا أن نسلط الضوء على أمر مهم في الحياة الزوجية، وهو احتواء أسرارها وشؤونها الخاصة، والاحتفاظ بالمشكلة داخل أسوار المنزل فحسب، وكيف ستصبح المشاكل عندئذ يسيرة تافهة، والحياة لذيذة بهذا الطعم اللاذع نوعاً ما، ولماذا تتخطى بعض الزوجات الحدود المطلوبة وتفضي بكل صغيرة وكبيرة إلى أهلها بالذات، فإذا بهم ينحتون المواقف السيئة في أذهانهم ليذكرون بها ابنتهم وقت الأزمات، حمية لها وانتصاراً لجانبها، ثم تبدو صورة الزوج لديهم سيئة مشوهة، فيتلاشى التقدير له والاحترام والهيبة.
اشتعال النار!
تحدث د.ناصر بن سليمان العمر في محاضرة له قيمة بعنوان "مقومات السعادة الزوجية"، عن هذا الجانب فقال: "إن نقل المشكلة خارج نطاق البيت يعني بقاؤها وازدياد اشتعال نارها، وخصوصاً إذا نقلت إلى أهل أحد الزوجين، لأنهم لا يدركون أبعاد المشكلة وأسبابها، وغالباً ما يسمعون القضية من طرف واحد، هو خصم، والخصم لا يسمع كلامه إلا بحضور خصمه، فيحكمون حكماً جائراً أعور، وقد تأخذهم الحمية لإنقاذ ابنهم أو ابنتهم، فيضرمون نار العداوة والبغضاء بين الزوجين إضراماً يذهب بالبقية الباقية من أواصر المحبة بينهما.
وغالب ما يحدث من منازعات بين الزوجين إنما هي أمور طفيفة لأسباب تافهة، تقوم لسوء مزاج أحدهما في وقت معين أو نحو ذلك، ثم تصور للآخرين بألفاظ أضخم من حقيقة المشكلة، فيظن السامع لها الذي لم يعايشها أنها كبيرة ومستعصية، فتأتي على إثر ذلك حلول شوهاء، يذهب ضحيتها الزوجان.
ولذلك كان من المستحسن أن يتواصى الزوجان ويتعاهدا على عدم نقل مشكلاتهما خارج عش الزوجية، وأن يحرصا كل الحرص على ألا تبيت المشكلة معهما ليلة واحدة.
ثم يشير إلى جانب له ثقله وأهميته في الحياة الزوجية وهو: "استشارة ذوي العقول والاختصاص، إذ لا يتعارض ذلك مع حفظ الأسرار الزوجية، فالتشاور مع ذوي الشأن وأرباب الحجى عامل مهم في حل ما يحدث من خلاف بين الزوجين، ذلك لأن غيرك يعرف من الحلول ما لا تعرفه، وقد يكون ممن وقع في حدث مماثل فوفق للحل المناسب، وعادة ما يصاب المرء حين المشكلة بضيق في الرأي وتعكير على صفو التفكير، يحتاج معه إلى الاستناد إلى آراء الآخرين، للخلاص مما هو واقع فيه.
وأعرف شاباً وقع في بيته حدث كاد يودي بالحياة الزوجية إلى أمر محزن، لولا أن الله وفقه لاستشارة صاحب رأي من إخوانه، فطمأنه إلى أنه لا مشكلة فيما حدث إن عمل بمشورته بإذن الله، وفعلا انقلبت المشكلة إلى سعادة ورضا، وصارت الزوجة تخجل من نفسها إذا تذكرت ما حصل منها، وحمد الزوج ربه على الأناة وضبط اللسان واستشارة ذوي الشأن.
قال تعالى: [وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما، إن الله كان عليما خبيرا) [النساء: 35].
آراء النساء
وفي استطلاع لأراء فئات من النساء مختلفة من ناحية الاستقرار في الحياة الزوجية، تعترف دانية – ماجستيرـ فتقول: تشاركني والدتي أسراري أحياناً، وأحرص على إخبارها بأية مشكلة تقع مع أهل زوجي خاصة، لكن صورة زوجي ذاته عندها أنه حنون وطيب ومتعاون، ربما تذكرني أمي بمواقف قد انتهت، لكني أرى أن أهم ما يجب أن تخفيه البنت من أسرارها هي نواحي المعاشرة الخاصة بين الزوجين.
لكن أم ريما – بكالوريوس ـ تخالف ذلك الرأي، فهي بتعقل ورزانة تقول: لا ألجأ إلى أمي إلا وقت الأزمات، وفي الأمور التي لا أستطيع حلها وحدي، ولا يمكن أن أخبرها بعيوب زوجي في ذاته، ولذا فرأيها عنه أنه كريم وطيب، رغم أنها تفسر قوة شخصيته بالصلافة أحياناً.
أما أم رزان – بكالوريوس ـ فتصرح بأنها تلجأ لوالدتها بعض الشيء في استشارة ونحو ذلك دون المشاكل، فالمشاكل تبوح بالمستعصي منها لأخواتها طلباً لنصحهن فحسب، ورغم ذلك فرأي والدتها أن زوجها شديد نوعاً ما، وتنصح الزوجات بأن تكتم أسرارها عن أهلها حتى تنال الأجر، ولا تدخل الحزن على والدتها وأخواتها، فالزوجة سرعان ما تنسى المشكلة، ويبقى الأهل ذاكرين لها مشفقين عليها، كما أن الفتاة تغفل عن ذكر الأمور السعيدة من إكرام زوجها وحسن عشرته لها، رغم أن ذلك يجلب السرور عليهم والطمأنينة.
وتشاركها في ذلك أم عبد الله ـ بكالوريوس ـ، فهي تبوح غالباً لأخواتها الكبيرات وخاصة المجربات العاقلات بمشاكلها، وليست أية مشاكل، بل تلك التي تحيل حياتها جحيماً وتجعلها عرضة للانفصال، وتشير إلى أن السبب في كتمان أسرارها عن أمها هو الفارق العمري بينهما، لكن صورة زوجها لدى أهلها سيئة للأسف، رغم أنهم لا يذكرونها بمواقف قد انتهت بل يحاولون رأب الصدع ومواساتها.
وتنصح أم عبد الله الزوجات بأن تخفي الأمور التافهة كالشجار البسيط وسوء التفاهم الذي لا يصل إلى عمق الحياة الزوجية وأساسها؛ لأن المواقف السيئة لا بد أن تبقى في أذهان الأهل حتى لو عادت الحياة إلى أحسن مما كانت، فالفتاة غالباً ما تبوح لأهلها بمشاكلها وآلامها، أما سعدها وهناؤها فهي لا تحكيه لهم، فيعيشون معها المر، وهي تعيش تقلبات الحياة من حلو ومر، لكن إذا وصلت الأمور إلى حال تهدد فيه حياتها الزوجية بالانفصال؛ فلا بد أن تستشير أهلها وتطلب معونتهم، والأفضل ألا تخبرهم إلا بالسبب الرئيس، وتدع الأشياء الثانوية التي تزيد حقدهم عليه ولا تنفعها شيئاً، وذكر الزوج بسوء من غير حاجة فضلاً عن كونه غيبة محرمة فهو من سوء العشرة، وخيانة الوفاء بين الزوجين.
ماذا سنستفيد؟!
وتدلي الأستاذة منيرة بنت عبد الله القاسم – ماجستير تربية إسلامية، والمحاضرة بكلية التربية الأقسام الأدبية بالرياض برأيها في هذه المسألة، فتشير إلى نقاط مهمة، وتقول: قبل أن تخبري أمك أيتها الابنة العزيزة بأي خبر، سواء كان ذلك الخبر يتعلق بك شخصياً أو بعلاقتك مع زوجك أو غير ذلك، أو كان خبراً لا تربطك به أية علاقة، اسألي نفسك: ماذا ستستفيد أمي من ذلك؟ وماذا سأستفيد أنا؟ ثم قرري على ضوء ذلك.
ثم توجه الأستاذة منيرة القاسم نصيحة إلى كل زوجة، وكل فتاة مقبلة على الزواج عند نقلها للأخبار الخاصة بالزوجين، وذلك بأن تراعي لصالحها عدة أمور:
- مراعاة مشاعر الأم، فلا بد من تجنب كل خبر قد يسبب لها القلق أو الحيرة أو الألم -أيا كان هذا الخبر-، فلا شك أن الأخبار السيئة تؤذي مشاعر الأمهات، فما بالك إذا كانت تلك الأخبار عن علاقة فلذة كبدها بشريك حياتها..
- وعليها أن تتعلم كيف لا تنقل لوالديها سوى الأخبار السارة، وكل ما يمكن أن يدخل على قلبيهما الفرح والسرور، ومن ذلك على سبيل المثال: إخبارهم عن الهدية التي أهداها زوجها، أو الإطراء الذي أسمعه إياها أمام أهله، وغير ذلك، فهذا مدعاة لاطمئنان الأهل والأم خاصة على حياة ابنتهم الزوجية، كما يعلي من قدر الزوج ومكانته وتقديره عند أهل الزوجة، فتلهج قلوبهم له بالدعاء، وكل ذلك في مصلحة الزوجة.
- ويجب ألا تتعدى حدود الصراحة بين الأم وابنتها إلى أمور لا يجوز الحديث عنها، فليس كل ما يحدث بين الزوجين من فعل أو حوار أو موقف ينقل إلى الأم، فمن مقومات الحياة الزوجية الناجحة حفظ الأسرار وعدم إخراجها حتى إلى أقرب الناس وهم الوالدين والإخوة.
حلقات في سلسلة
ثم تمثل الأستاذة منيرة القاسم للحياة الزوجية بصورة واقعية صادقة، إنها تصفها بأنها حلقات ضمن سلسلة واحدة، قد يطرأ على حلقة منها عقدة عسيرة، وبالتعقل تستطيع الزوجة الذكية أن تحل هذه العقدة بالحفاظ على سريتها واحتوائها بالصنيع الحسن، لكنها ستزيدها تعقيدا لو سمحت للآخرين بالتدخل في فكها دون داع، وإحاطة الحياة الزوجية بالاحترام والتقدير دليل على الوعي والرقي، ومن أصول ذلك حفظ الأسرار الزوجية عن المقربين فضلاً عن البعيدين، وهذا يتطلب عدم إطلاق اللسان في الحديث عن كل شاردة وواردة قد تحصل بين الزوجة وزوجها، فضرر الحديث عن كل دقائق وتفاصيل الحياة الزوجية عند الأهل وبخاصة ما يقع من خطأ أو تقصير طبيعي من الزوج، يصل ضرره مباشرة إلى الزوجة نفسها، لأنها بذلك تحرض أهلها على زوجها – دون قصد – وتقلل من قيمته واحترامه وهيبته عندهم، فتكون هي الخاسرة أولاً وأخيراً..
وقد تمضي الأيام ويتجاوز الزوجان ما قد حصل، لكن الأهل لا يزالون يحسبون كل صغيرة وكبيرة.